تلهمك وتثير إعجابك...لوحات لا تلقى رواجاً عربياً

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الإثنين، 30 سبتمبر 2019
تلهمك وتثير إعجابك...لوحات لا تلقى رواجاً عربياً

"الفنان يسعى إلى الجمال، والحكيم إلى الكمال"، ولكن ماذا لو اجتمع الاثنان؟ وقام الفنان بنقل الواقع بتفاصيله الصغيرة متفوقاً على أحدث الكاميرات، بضربات ريشة دقيقة تدهش المشاهد، وتطرح الكثير من الأسئلة عن القدرة المذهلة لهؤلاء الفنانين.

تفاصيل لا تصدقها عيناك، تتعدى قدرات عدسات الكاميرات عالية الدقة، تقف أمامها متسائلاً إن كان ما تراه حقيقياً أم أنك توهمت الحقيقة. تفاصيل مثيرة للإعجاب، بانعكاس الضوء على شعرة متطايرة، أو لون شريان داخل جفن العين، أو التدرجات اللونية الحقيقية في الجلد.

حركة الواقعية المفرطة "الهايبر رياليزم"، تعتبر توجهاً فنيّاً معاصرا نسبيا، بدأت عام الـ 1973، من خلال معرض فني أقامه تاجر لوحات يدعى، إيسي براشوت. ومن هنا تطورت الحركة بشكل متسارع لتنتشر حول العالم، بما في ذلك العالم العربي. ويمكن لك أن تقف مأخوذاً بالتفاصيل عالية الدقة لهذه اللوحات، مسلطة الضوء على حجم الوقت والجهد والموهبة فيها.

جاءت الواقعية المفرطة لتعيد إحياء القدرة البشرية الفنية، ولمنافسة كل ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة في علم الطباعة، وإثبات تفوقها على الآلات من خلال خلق صور تتميز بالواقعية الشديدة، وكل هذا أتى بالتزامن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ساهمت في انتشار الحركة حول العالم.

ومع أنه بإمكانك ملاحظة انتشارها السريع، وانتشار الكثير من المعارض التي تعنى بها في العالم، إلا أن هذه الحركة الفنية لازالت تخطو خطواتها الأولى في البلاد العربية، ويعاني فنانوها من ضعف الإهتمام، بالإضافة إلى القيود الحدودية والمكانية.

"معارض الفن العربي لا تدعم الواقعية المفرطة"

آدم شحادة فنان فلسطيني، اهتم بالواقعية المفرطة باعتبارها فناً يحتاج الكثير من الوقت والجهد، "بدأت منذ العام 2014، إذ أثار هذا النوع من الفن اهتمامي"، ويضيف شحادة لـDW عربية إلى أن ما يميز الواقعية هو الجهد الكبير الذي تحتاجه، والتفاصيل التي يجب الوقوف عليها، وحاجتها إلى وقت كثير من أجل رسم التفاصيل الدقيقة، وهذا ما يجعلها صعبة على بعض الفنانين.

وعلى الرغم من حاجة هذا النوع من الفن إلى جهد عظيم، إلا أن الإمكانيات اللوجستية في العالم العربي شبه معدومة، فمن الصعب إيجاد معارض تهتم بأعماله، "لقد قمت بالتواصل مع العديد من المعارض العربية والتي أجابتني أنه فن غير إبداعي، وبأنهم يتخصصون بالمقابل في الفنون التشكيلية المعاصرة" يشير شحادة.

ومن جهته يرى الناقد الفني نبيل عناني لـ DW عربية أن الأروقة الفنية(الغاليريهات) بشكل عام تعنى بنوعية اللوحات التي تهم المشتري والمشاهد، في حين أكدت الناقدة الفنية والباحثة مليحة مسلماني لـ DW عربية أن المعارض والأروقة الفنية ترغب في تحقيق الأرباح عادة، ولهذا من الصعب تسويق الواقعية المفرطة، التي لم تنتشر حتى الآن في العالم العربي.

"ليس هناك اختلاف حول المستوى العالي للواقعية المفرطة، ولكن أغلب الغاليرهات أكاديمية" يقول فنان الواقعية المفرطة المصري محمد المينياوي، ويضيف: "أنا فنان هاوٍ لم أدرس الفن أكاديمياً، فكيف تتوقع مني أن أنتج فناً أكاديمياً؟".

"هو نوع جديد من الفن، يجب تقبله، والتعامل معه"

ترى الناقدة الفنية والباحثة في الفن الفلسطيني مليحة مسلماني لـ DW عربية أنه على النقاد والفنانين في العالم العربي تقبل فن الواقعية المفرطة، إذ أنه نوع جديد، فكما واجهت أنواع الفن الأخرى هجوماً حاداً حينما ظهرت للمرة الأولى، فإن الواقعية المفرطة واجهت هجوماً أيضاً، وعلى هذا يجيب عناني "الواقعية المفرطة أعادت الفن للوراء، فالأشخاص المهتمون بالفن في العالم العربي يعنون بالمعنى قبل الصورة".

وأورد الموقع الرسمي للواقعية المفرطة في أوروبا أن أحد أشدِّ الانتقادات لهذه الحركة، هو عدم الحاجة للغوص إلى ما وراء المعنى، فهو ينقل الواقع بتفاصيله، باعتبار الجمهور "كسولاً" لا يريد أن يتعمق في تحليلات ما بعد المعنى، بالإضافة إلى أن بعض النقاد لا يعتبرون المهارة التقنية فناً، وليست كافية لاعتبار أحدهم فناناً، وحول هذا ترد مسلماني أن الواقعية المفرطة أعمق من فكرة التركيز على القدرة التقنية للرسام، بل إن لوحاتهم تقدم معنى أعمق، وأهم، وتضيف "فن الواقعية المفرطة يقدم الدهشة، وهذا عنصر مهم جداً، الفن يجب أن يقدم الدهشة، ومن ناحية أخرى فقد أثبت تفوق الفن البشري على آلة التصوير".

ويذكر الفنان التشكيلي علاء البابا لـ DW عربية أن الجمهور الفني في الوطن العربي هو "جمهور نخبوي" يهتم بالمعنى قبل التقنية، فاهتمامه أكبر بالفنون التعبيرية منها بالفنون الواقعية، ولهذا فإنه من النادر وجود مقتنين عرب للفن الواقعي المفرط، ويضيف: "عادة يقوم الفنانون من هذا النوع ببيع لوحاتهم من خلال "توصيات" مسبقة من المشترين".

تواجه الواقعية المفرطة في العالم العربي هجوماً واضحاً، إذ يقول الناقد نبيل عناني لـDW عربية أن الطبقة المثقفة لا تقبل الواقعية المفرطة لأن المثقف الواعي يربط الدقة بالآلة، ويضيف: "إن كان الإنسان مثل الآلة فإنه يبقى آلة، وبهذا يقلل من قيمة الفن"، وعلى هذا ردت سليماني أن الواقعية المفرطة تحقق الدهشة، وهي أحد أهم العوامل في الفن، فـ"الهايبرريلازم" تدهش المشاهد، وقد ظهرت كرد على استخدام الكاميرا في العالم، والمخاوف من قدرتها على أن تتفوق على الأداء البشري، وتضيف: "الواقعية المفرطة جاءت لتقول أن الإنسان أعظم من الكاميرا، وبإمكانه إظهار تفاصيل لا تستطيع الكاميرا التقاطها".

الواقعية المفرطة في العالم ... "تلهمك لأنك تلمسها"

انتشار الواقعية المفرطة في العالم كان سريعاً بالتزامن مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فبإمكانك أن تجد الكثير من المعارض الإلكترونية عبر الانستغرام أو غاليرهات مثل بلس ون في لندن، والتي تعنى بهذا النوع من الفن، "خارج العالم العربي، يثير فنانو الواقعية المفرطة ضجة، ولهم تأثير واضح على الساحة الفنية" يعقب المينياوي.

وتقول الكاتبة الفنية كارين كدمي من غاليري بلس ون في مقال لها أن البشر ينجذبون عادة إلى ما يثير الدماغ، وبهذا فإن فن الواقعية استمر على الرغم من شعبية الفنون الحديثة، "الكائنات التي في لوحات الواقعية المفرطة تبدو نابضة بالحياة وتلهمك لأن تلمسها".

هذا التوجه العالمي يثري الواقعية المفرطة، ويعطيها مساحة على أرض الواقع، ويحقق فرصاً كبيرة للعديد من الفنانين العالمين، إلا أن الفنان العربي لازال يواجه صعوبات في إيجاد مساحة واضحة لنفسه.

مرام سالم

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة